مؤسسه الدراسات الإیرانیه تقیم مهرجانها السادس للصور تحت عنوان «تجلیات الثقافه والفن فی إیران»

مؤسسه الدراسات الإیرانیه تقیم مهرجانها السادس للصور تحت عنوان «تجلیات الثقافه والفن فی إیران»

أقیم فی یوم الحادی عشر من كانون الأول 2016 م ملتقى «ملامح الثقافه والحضاره الإیرانیه فی العصر الصفوی» بمحاضره للدكتور ویلم فلور عالم الإیرانیات الهولندی فی قاعه محتشم بمؤسسه الدراسات الإیرانیه.

فی بدایه هذا الملتقى رحّب الدكتور علی زاده معاون مؤسسه الدراسات الإیرانیه للإعلام والعلاقات الدولیه بالحضور وعرّف الدكتور فلور بأنه أحد علماء الإیرانیات القلائل الذین لهم معرفه دقیقه وعمیقه بالثقافه والحضاره الإیرانیه. ثم استعرض الدكتور بهرام زاده معاون المؤسسه لشؤون البحث العلمی باختصار السوابق الدراسیه والبحثیه للدكتور فلور، وأشار إلى عناوین عدد من كتبه التی ألفها فی خصوص إیران.

وأوضح الدكتور فلور فی محاضرته أن عدد سكان إیران فی العهد الصفوی كان بین 6 إلى 9 ملیون نسمه، وأضاف: لا توجد إحصائیات دقیقه فی هذا الخصوص. وكانت عائدات 85 بالمائه من سكان إیران فی ذلك الحین تستحصل عن طریق الزراعه، بینما كان باقی الإیرانیین من سكان المدن (أصحاب حرف وخدم و ... )، وكان رجال السیاسه والدین والعسكریون یشكلون واحد بالمائه من السكان. ولم یكن لإیران فی تلك الحقبه اقتصاد منتظم، ولم یكن حتى لولایات إیران ومحافظاتها علاقات فیما بینها، لأن أسعار النقل كانت باهضه. وكان لكل ولایه منتجاتها المحلیه ولم تكن هناك بضائع كثیره للتصدیر والبیع للخارج.

وقد كان الحریر الخام أهم البضائع فی ذلك العصر. وتدفق الهولندیون والبریطانیون إلى إیران سعیاً للحصول على هذا الحریر، وحتى المنسوجات الثمینه أیضاً مثل السجاد نادراً ما كان یصدر. وما عدا الحریر، كانت الألیاف تصدّر من عده مناطق من إقلیم كرمان (جنوب شرق إیران)، وكان مقدارها فی كل سنه نحو 10 إلى 20 ألف كیلوغرام، ولم تكن عائداتها كافیه. وكانت الهند تعد أبرز شریك تجاری لإیران فی الجنوب.

وكانت الثروه مقتصره على بلاط الملك ورجاله بینما یعانی الناس العادیون الفقر. بل لقد كان الإیرانیون إلى ما قبل ستین عاماً نباتیین، وكان معظم طعامهم الخبر واللبن الرائب والبصل. ستون بالمائه من طعام الإیرانیین إلى ما قبل خمسین سنه كان الخبز والفواكه والخضروات. أما الرز فما عدا إقلیمی گیلان ومازندران (شمال إیران) الذین كانا ینتجانه، لم یكن یؤكل إلّا فی الاحتفالات.

فی نهایه العهد الصفوی وهجوم الإفغانیین على إیران انتقلت كل أموال البلاط وأموال وممتلكات رجاله إلى أفغانستان، وتحولت إیران إلى بلد مفلس. لم تكن هناك تجاره، وبعد حرب نادر شاه مع الأفغانیین والأتراك والهنود، راح الناس یعانون البؤس والفاقه بشده. طبقاً لإحصائیات الهولندیین، فی سنه 1735 م مات تسعون بالمائه من سكان إصفهان بسبب الحروب والأوبئه والطاعون. ونفقت حتى الحیوانات والمواشی. وقد زاد نادر شاه من الضرائب لتأمین تكالیف حروبه، مما زاد من فقر الناس وقلّل من التجاره. لذلك قلّل نادر شاه من عیار المال وتحول النقد الرسمی فی إیران إلى معدن النحاس الأصفر (الصفر). واستمر هذا الوضع الاقتصادی السیئ إلى الفتره الزندیه وزمن كریم خان زند. وفی زمن القاجاریین وفتح علی شاه شهدت أوضاع إیران بعض النظام والترتیب وبدأت إیران بالتطور.

یقال دائماً إن العهد الصفوی هو عهد ازدهار إیران، لكن الأمر لیس كذلك، لأنهم كانوا فی غالب الأحیان فی حروب مع العثمانیین. وفی زمن الشاه سلیمان الذی لم یكن مؤهلاً أساساً لإداره الاقتصاد والدوله عاد الوضع الاقتصادی إلى السقوط والانحطاط، وقد انخفضت عائدات شركه الهند الشرقیه فی زمن الشاه سلیمان الصفوی وما بعده، بعد ما كانت قد ارتفعت فی زمن الشاه عباس. لذلك ساءت أوضاع التجاره فی الخلیج الفارسی إلى درجه أن شركه الهند الشرقیه قررت ترك المنطقه.

وبعد انتهاء محاضره الدكتور فلور كان هناك وقت مخصص للأسئله والأجوبه.

وكانت أبرز النقاط التی أشار لها الدكتور فلور فی إجابته عن أسئله الحضور ما یلی:

أهم صناعه لإیران فی ذلك العهد هی النسیج. ویمكن القول إن كل إیران كانت معملاً للنسیج. حیث كانت كل عائله تنتج الملابس والسجاد والبسط فی كل قریه ومدینه. ولكن قلیلاً ما كان یصدّر هذا السجاد والمنسوجانت الثمینه إلى المناطق الأخرى. وكانت إیران متأخره من الناحیه التقنیه قیاساً بالبلدان الأوربیه، والواقع أن الصناعه لم تكن متطوره كثیراً حتى فی أوربا.

كتبتُ فی كتابی أن سكان إیران ربما كانوا نصف ملیون نسمه. ومن حیث الاستثمار الداخلی فقد كانت الشخصیات والتجار یبنون أكثر ما یبنون المساجد والجسور وخانات القوافل. لكن تكالیف هذه الأبنیه لم تكن تدفع دائماً على شكل نقدی بل تسدد أحیاناً على شكل بضائع. كانت تبنى فی كل سنه عشره مساجد لكل تسعه ملایین نسمه تقریباً، ولم یكن عمال البناء یرحّبون بالعمل كثیراً. وقد قل استخدام الناس للمال والنقد، ولم یكن بوسع إلّا القرویین أن یبیعوا منتجات زرعهم وعملهم والحریر الخام، أمّا الآخرون فكانت عائداتهم على شكل بضائع. وكانوا یسددون الضرائب من هذه البضائع. ولم تكن إیران وحدها على هذه الحال بل كانت كثیر من البلدان الأوربیه على هذا الوضع نفسه، ولم یكن الناس هناك یأكلون اللحم إلى ما قبل مائه عام. وعلى حد قول جان شاردن فقد كان وضع المزارعین فی إیران خلال العصر الصفوی أفضل من المزارعین فی فرنسا.

وقد عمل نادر شاه على إفلاس إیران حقاً. فلم یكن یأبه أصلاً باحتیاجات الناس ولم یكن یمنح الرواتب إلّا لجیشه. وقد كان النحاس والصفر فی ذلك الحین أبرز نقد فی إیران، إلى درجه أن الناس كانوا یقطّعون الجفنات الصفریه قطعاً صغیره ویأتون بها إلى السوق. وهذا كله من علامات أن نادر شاه لم یخدم إیران، بل على العكس من ذلك.

من النواحی الفنیه كالرسم والخط والعماره یمكن القول إن الإیرانیین كانوا عظماء حقاً. وحتى الذین لم یكونوا لیشتروا السجاد الإیرانی بسبب غلائه كانوا یقولون إن هذه المنسوجات أفضل من منسوجات الهند. بید أن هذه المواهب والقدرات الإیرانیه زالت بعد العصر الصفوی، لأن الأفغانیین قتلوا الكثیر من الناس والحرفیین الإیرانیین الذین كانوا یحافظون على الفن الإیرانی. على سبیل المثال انمحت فنون الكاشی ونسیج الفضه والترمه، وعادت هذه الصناعات للازدهار ثانیه فی العصر القاجاری.

لقد كانت إیران بلداً تقلیداً لا ینظر إلى الخارج ولم تكن له علاقات منتظمه مع البلدان الأخرى. ولكن كانت هناك فی النادر بعض المعلومات عن الأجانب تعلن فی العصر الصفوی. ولم یكن الناس لیكترثوا للأجانب أصلاً. ولم یكونوا مهتمین حتى لداخل إیران. كانوا یهتمون بالریاضیات لكنهم لم یبدوا اهتماماً لسائر العلوم. على سبیل المثال اقترحوا على الشاه عباس الثانی استیراد مطبعه لكنه رفض ذلك.

حاز الدكتور ویلم فلور على شهاده ماجستیر فی فرع التنمیه الاقتصادیه وعلم الاجتماع غیر الغربی من جامعه «اوترخت» فی هولندا، ونال درجه الدكتوراه فی علم الاجتماع من جامعه «لیدن» بهولندا.

وللدكتور فلور سابقه تمتد لخمسه وثلاثین عاماً من العمل فی مجال الطاقه والتنمیه القرویه وقضایا القرى والأریاف، وزاول نشاطاته هذه فی بلدان ومناطق مختلفه من العالم كأفریقیا، وأمریكا اللاتینیه، وجنوب شرق آسیا، والشرق الأوسط، وشرق أوربا. وقد شارك بشكل خاص فی مجالات تخصصیه تشمل تأمین الطاقه للمناطق الریفیه وما یتعلق بذلك من قضایا، وتنمیه مفهوم الطاقه المنزلیه والكثیر من المشاریع بمحوریه الطبیعه فی القاره الأفریقیه. كما شارك فی تنظیم وإعداد الكثیر من المواثیق الاستراتیجیه والدولیه، وخصوصاً أحد مواثیق البنك العالمی باسم «الوقود للتفكیر» فی سنه 1996 م باعتباره میثاقاً یرسم الاستراتیجیات اللازمه لتوفر سكان القرى فی العالم على الطاقه. كما كان له تخصصه العمیق فی إنجاز المشاریع الناجحه فی مجال إصلاح اقتصاد القوه والطاقه، ومن ذلك خصخصه شركه المیاه والكهرباء فی بلد مالی، وتوفیر الأرضیات اللازمه لتنفیذ استراتیجیات خصخصه الشركات الحكومیه والوطنیه المشابهه فی بلدان مدغشقر وموریتانیا والسنغال.

وبعد تقاعده فی سنه 2001 م تابع البروفیسور فلور عمله ونشاطاته كباحث مستقل. وكان التاریخ الاجتماعی - الاقتصادی لإیران من جمله المجالات التی بحث ودرس وكتب فیها أثناء أوقات فراغه قبل تقاعده، وراح یعكف علیها بتركیز أكبر فی المرحله الجدیده من نشاطه بعد التقاعد. ومنذ أن نشر أول دراساته فی هذا المضمار فی سنه 1971 م، كتب ونشر لحد الآن أكثر من خمسه وثلاثین كتاباً ومائتین وخمسین دراسه حول التاریخ الاجتماعی والاقتصادی فی إیران.

ومن بین أبرز آثاره المنشوره حول إیران وتاریخها یمكن الإشاره إلى: «تاریخ الشؤون المالیه فی إیران خلال الحقبتین الصفویه والقاجاریه»، و«صناعه النسیج فی إیران، المنتجات وموارد الاستخدام من سنه 1500 إلى سنه 1925 م»، «الاقتصاد الإیرانی خلال العهد الصفوی»، «المؤسسات الحكومیه فی العهد الصفوی»، «الخلیج الفارسی منذ عام 1500 إلى عام 1730 م.. الاقتصاد السیاسی لخمسه موانئ»، «دستور الملوك، كتیّب لإرشاد الدوله الصفویه»، «إمبراطوریه إسبانیا - البرتغال واتصالاتها بالحكومه الصفویه»، «حكومه هرمز والعیاربه فی عمان، من سنه 1489 إلى 1720 م»، «العناوین والأجور فی إیران خلال العصر الصفوی، الكتیّب الثالث لإرشاد الدوله الصفویه»، «العمل والصناعه فی إیران منذ عام 1850 حتى 1941 م»، «المهن والتجار وعلماء إیران فی القرن التاسع عشر للمیلاد»، «ظهور میناء لنگه وسقوطه، مركز التوزیع لسواحل شبه الجزیره العربیه، من سنه 1750 حتى سنه 1930 م»، «رسالتان من العصر القاجاری، تأدیب النسوان ومعایب الرجال»، «بندر عباس، البوابه الطبیعیه إلى جنوب شرق إیران»، «الألعاب والتسلیه فی إیران، تاریخ التسلیه والترفیه»، «مستشفیات إیران فی العصرین الصفوی والقاجاری، التاریخ، بحث حول عدد المستشفیات، وكیفیه تطورها وأهمیتها»، «رجل من عالمین، بطرس بدیك فی إیران، 1671 إلى 1675 م»، و«القاموس النصیری، قاموس خمس لغات فی العصر الصفوی».

مؤسسه الدراسات الإیرانیه تقیم مهرجانها السادس للصور تحت عنوان «تجلیات الثقافه والفن فی إیران»

جميع الحقوق محفوظة لموقع مؤسسة الدراسات الإيرانية 2016 م

العنوان: طهران، شارع الشيخ البهائي (الجنوبي)، شارع إيران شناسي، مدينة والفجر )

التصميم والتنفيذ: دائرة الحاسبات و تقنية المعلومات